سورة الذاريات - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)}.
{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} يعني: الرياح التي تذرو التراب ذروًا، يقال: ذَرَت الريحُ الترابَ وأَذْرَت.
{فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا} يعني: السحاب تحمل ثقلا من الماء.
{فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} هي السفن تجري في الماء جريًا سهلا.
{فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أُمروا به، أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته.
ثم ذكر المقسَمَ عليه فقال: {إِنَّما تُوعَدُونَ} من الثواب والعقاب، {لَصَادِقٌ}.
{وَإِنَّ الدِّينَ} الحساب والجزاء {لَوَاقِعٌ} لكائن. ثم ابتدأ قسمًا آخر فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} قال ابن عباس وقتادة وعكرمة: ذات الخلق الحسن المستوي، يقال للنسَّاج إذا نسج الثوب فأجاد: ما أحسن حبكه! قال سعيد بن جبير: ذات الزينة. قال الحسن: حبكت بالنجوم. قال مجاهد: هي المتقنة البنيان. وقال مقاتل والكلبي والضحاك: ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح، وحبك الرمل والشعر الجعد، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس، وهي جمع حباك وحبيكة، وجواب القسم قوله:


{إِنَّكُمْ} أي: يا أهل مكة، {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم، تقولون في القرآن: سحر وكهانة وأساطير الأولين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم: ساحر وشاعر ومجنون. وقيل: {لفي قول مختلف} أي: مصدق ومكذب.
{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يصرف عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه، يعني: من حرمه الله الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. وقيل {عن} بمعنى: من أجل، أي يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإيمان من صرف. وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون: إنه ساحر وكاهن ومجنون، فيصرفونه عن الإيمان، وهذا معنى قول مجاهد.
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} لعن الكذابون، يقال: تخرص على فلان الباطل، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عِقَاب مكة، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام. وقال مجاهد: هم الكهنة.
{الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ} غفلة وعمى وجهالة، {سَاهُونَ} لاهُون غافلون عن أمر الآخرة، والسهو: الغفلة عن الشيء، وهو ذهاب القلب عنه.
{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء، يعني: يوم القيامة تكذيبًا واستهزاء.
قال الله عز وجل: {يَوْمَ هُمْ} أي يكون هذا الجزاء في يوم هم، {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي: يعذبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار. وقيل: {على} بمعنى الباء أي بالنار، وتقول لهم خزنة النار: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ}.
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} عذابكم، {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا تكذيبًا به.


{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ} أعطاهم، {رَبُّهُمْ} من الخير والكرامة، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} قبل دخولهم الجنة، {مُحْسِنِينَ} في الدنيا.
{كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} والهجوع النوم بالليل دون النهار، و{ما} صلة، والمعنى: كانوا يهجعون قليلا من الليل، أي يصلون أكثر الليل.
وقيل: معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلا وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس، يعني: كانوا قلَّ ليلة تمر بهم إلا صَلَّوا فيها شيئًا، إما من أولها أو من أوسطها. قال أنس بن مالك: كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء. وقال محمد بن علي: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. قال مجاهد: كانوا لا ينامون كل الليل.
ووقف بعضهم على قوله: {قليلا} أي: كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ: {من الليل ما يهجعون}، وجعله جحدًا أي: لا ينامون بالليل البتة، بل يقومون للصلاة والعبادة، وهو قول الضحاك ومقاتل. {وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قال الحسن: لا ينامون من الليل إلا أقله، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار. وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل: وبالأسحار يصلون، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد المخلدي، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول: أنا الملك أنا الملك، من الذي يدعوني فأستجيب له؟ من الذي يسألني فأعطيه؟ من الذي يستغفرني فأغفر له؟».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: «اللهم لك الحمد أنت قَيِّمُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك». قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: «ولا حول ولا قوة إلا بالله».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا صدقة، أخبرنا الوليد عن الأوزاعي، حدثني عمير بن هانىء، حدثني جنادة بن أبي أمية، حدثني عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته».

1 | 2 | 3 | 4